أنظر من حولي فيُخَيَّلُ إلي أحيانا أنني أعيش
في عالمين متوازيين، عالم يعاني فيه إخواننا مرارة الإبادة و التجويع و القتل و
الدمار، و عالم آخر حيث الناس منخرطون في أعمالهم و مشاغلهم و أهدافهم و النجاحات
التي يريدون تحقيقها و و و و
كل شيء مستمر و كأن شيئا لم
يكن، مسابقات كرة القدم، و المهرجانات و البرامج الفنية التافهة و المؤتمرات عن
السلام في العالم ! و الندوات عن النجاح في الحياة!!!!
عن أي نجاحات نتكلم و أطفالنا و نساؤنا و
شيوخنا يموتون هناك و يُجَوَّعون هناك، و يُبادون هناك، و يُهَجَّرون هناك؟
هل أولئك يعيشون في كوكب آخر مثلا؟ هل لا يَمُتُّون
لنا بصلة؟ هل هو مجرد فيلم رعب أو فيلم أكشن، نشاهده في التلفاز، يستفزنا قليلا، و
يبكينا قليلا، ثم ما أن نغلق التلفاز، حتى نعود إلى حياتنا و نجاحاتنا؟! و كأن كل
شيء على ما يرام؟
أنا لا أقول أن يُجَمِّد الناس حياتهم و يُعَطِّلوا
أشغالهم و يوقفوا نجاحاتهم. لا سمح الله !
و لكن ألا يمكن أن نقوم بأشغالنا دون أن نكون
مضطرين للتباهي بها في وسائل التواصل؟ هل من الصعب علينا أن نؤجل التعبير عن فرحنا
و اعتزازنا بما نفعل و مشاركة نجاحاتنا "المبهرة" إلى وقت آخر؟ هل من
الصعب علينا التغاضي عن مشاركة صورنا البراقة و ابتساماتنا العريضة في هذا الوقت
العصيب؟
مرة أخرى، أنا لا أطلب من الناس التوقف عن
عملهم أو التخلي عن مسؤولياتهم أو الانجرار إلى الاكتئاب و اليأس.
على العكس تماما، إن هذا هو أفضل وقت نركز فيه
على أعمالنا و واجباتنا و نبذل جهدنا لإتقانها و النجاح فيها، حتى لا تأتي الهزيمة من جانبنا.
و لكن مع شرط أن يكون كل هذا مخلصا لله وحده، و
أن لا نبتغي به احترام هذا و ذاك أو إرضاء أنواتنا أو تلميع صورنا. و يجب مع كل
ذلك مراعاة شعور إخواننا الذين يذوقون ويلات الحرب، و لا يجدون قطرة
ماء أو كسرة خبز يسدون بها رمقهم و جوعهم و لا دواء يخفف عنهم آلامهم و جراحهم.
أليس الرسول صلى الله عليه و سلم يصف المسلمين
فيقول : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"؟
فأين الحمى؟ و أين السهر ؟ و أين التعاطف؟ و
أين الجسد الواحد؟
***********
منذ أن بدأت الحرب، أصبح فؤادي فارغا ــ و
أنا متأكدة أني لست الوحيدة التي تحس بهذا ــ.
ليس فراغا روحيا، لأنني أؤمن بأن النصر آت ولو
بعد حين، و أن قتلانا في الجنة و قتلاهم في النار، و أن الله هو الحكيم و أنه
العدل سبحانه، و أنه اصطفى تلك البقعة المباركة و أولئك الناس الأحرار ليبتليهم
فيصبرون فيجزيهم خير الجزاء.
و لكنه فراغ لا يمكنني وصفه، و كأن نظامي حدث
له خلل ما و هو ينظر إلى كل أصحاب القرار في هذا العالم و المنظمات الحقوقية التي
ظلت تمطرنا بالنظريات عن روح الإنسانية و العدالة الاجتماعية و حقوق الإنسان، ينظر
إلى كل هؤلاء و هم غير قادرين على إيقاف هذه المهزلة و يكتفون بالتنديد و
الشعارات.
أعلم أنها ليست المرة الأولى التي نشهد فيها
حروبا ظالمة، فالظلم موجود على مر التاريخ، و الظالم دائما يتفنن في إذاقة
ضحاياه شتى أنواع العذاب.
و لكنه في عصور سابقة لم تكن هناك منظمات دولية تسن القوانين و تعمل على تطبيقها،
فكان الظالم يطبق قانونه الخاص و يفعل ما بدا له.
و حتى في الحروب المعاصرة، كحرب العراق و
أفغانستان و الشيشان و بورما غيرها، تجد الظالم يحاول عدم تخطي بعض الخطوط
الحمراء، و يوجِد أعذارا أمام المجتمع الدولي و لو كانت كاذبة ليبرر الجرائم التي
يقترفها.
أما الظالم الآن، فهو متعجرف متغطرس، لا يبالي
بإيجاد الأعذار، و لا يحترم أي خطوط حمراء، بل ضرب بعرض الحائط كل القوانين، و عاث
في الأرض فسادا، و لم يسلم من جبروته حتى المستشفيات و دور العبادة و المنشآت
الحقوقية.
كل ذلك و الجميع يكتفون بالتنديد و الوعيد الذي
لا طائل منه!
أتساءل كيف سيأتون غدا ليرددوا علينا هذه
الشعارات و يسردوا علينا قصص المعاناة في العصور الغابرة (
كإبادة الهنود الحمر و العنصرية ضد السود في أمريكا)، و هم يتحسرون و يبكون و يشعرون بالذنب لما حدث في الماضي و ينفقون
الملايين على أفلام تربح الأوسكار لإخلاء مسؤوليتهم، و كأنهم لو كانوا حاضرين
وقتها لوقفوا مع الحق!
كل هذا تبخّر الآن، سقطت الأقنعة، و نعرف الآن
أن هؤلاء المختبئون وراء القوانين و الدساتير الجديدة التي تدعو إلى السلم و
العدالة و المساواة، ما كانوا ليفعلوا شيئا وقتها، بل و كانوا سيقفون مع الظلم كما
يفعلون الآن بالضبط.
سيسجل التاريخ ذلك، و سنسجل ذلك، و لن ننسى، و
لن نغفر!
اللهم اربط على قلوب إخواننا في غزة، و أفرغ
عليهم صبرا و ثبت أقدامهم و انصرهم على القوم الكافرين.
اللهم استر عوراتهم و آمن روعاتهم و اجعل القنابل
و الصواريخ بردا و سلاما عليهم.
اللهم ارحم شهداءهم و اشف مرضاهم و خفف عن
جرحاهم.
اللهم أعن المجاهدين في سبيلك و سدد رميهم و
أمدهم بجنود من عندك و اقذف في قلوب أعدائهم الرعب يا عزيز يا جبار.
اللهم أرنا في الظالمين يوما و عذبهم بأيدي جنودك و أذهب غيظ قلوبنا و اشف صدورنا، إنك على كل شيء قدير.
آمال
This post helped me understand easily. Appreciate your great effort. Look at the profile of Geometry Dash Online for simple advice that really works. Geometry Dash is a game I keep playing again and again. The music and jumps make it exciting every time.
ReplyDelete