الكاتب : نجيب محفوظ
عدد الصفحات :
556
سنة النشر : 1959
الزمان : يمتد من تولية أدهم على الوقف إلى موت عرفة، و يرمز به الكاتب إلى التاريخ البشري منذ خلق آدم إلى يومنا الحالي.
المكان : متركز بين بيت الجبلاوي الكبير و بين الحارة، و يرمز بهما الكاتب إلى الجنة و الحياة الدنيا.
الشخصيات الرئيسية
- الجبلاوي : و يرمز به الكاتب إلى الله
- أدهم : ابن الجبلاوي الأصغر و يرمز به الكاتب إلى آدم عليه السلام
- أميمة : زوجة أدهم، و يرمز بها إلى حواء
- إدريس : ابن الجبلاوي الأكبر، و يرمز إلى إبليس
- قدري و همام : ابنا أدهم، و يرمزان إلى قابيل و هابيل
- جبل : رجل من آل حمدان جاء يخلص أهله من بطش الناظر و الفتوات، و يرمز إلى موسى عليه السلام
- رفاعة : شاب من آل جبل كانت رسالته تخليص الناس من العفاريت و الشياطين التي تسكنهم، و يرمز إلى عيسى عليه السلام
- قاسم : رجل من حارة الجرابيع جاء يشيع العدل بين أهل الحارة جميعا، و يرمز به إلى محمد عليه الصلاة و السلام
- عرفة : رجل لا يعرف أصله آمن أن سحره وحده كاف للقضاء على الفتوات.
- الناظر : المكلف بوقف الحارة، و هو منصب توالى عليه العديد من الشخصيات في الرواية، و يرمز به الكاتب إلى الحكام الذين يستولون على أملاك الشعب و يحكمون بالظلم.
- الفتوات : هم أعوان الناظر، اختلفت شخصياتهم على طول القصة و لكن هدفهم واحد : حماية الناظر و قمع الحارة نظير نسبة من الوقف، و يرمزون إلى أعوان الحكام على مر الزمان.
الشخصيات الثانوية
الرواية مليئة بالشخصيات الثانوية، و لكن أغلبها لها دور في الرواية بشكل ما. فيما يلي ذكر لبعض أهم هذه الشخصيات:
- هند : ابنة إدريس، و ترمز إلى ذرية إبليس
- هدى هانم : زوجة الناظر الذي عاصر جبل، و ترمز إلى آسيا زوجة فرعون
- عبدة و عم شافعي : والدي رفاعة.
- ياسمينة : زوجة رفاعة التي خانته و وشت به لفتوة الحارة، و ترمز إلى الخائن من حواريي عيسى عليه السلام
- كريم، حسين، علي و زكي : أتباع رفاعة، و يرمز بهم إلى حواريي عيسى عليه السلام
- قمر و سكينة : زوجتا قاسم، و يرمزان إلى خديجة و عائشة رضي الله عنهما
- صادق : صديق قاسم المقرب، و يرمز به إلى أبي بكر الصديق
- حسن : ابن عم قاسم، و يرمز به إلى علي بن أبي طالب
- إحسان : ابنة قاسم، و ترمز إلى فاطمة رضي الله عنها.
- عم زكريا : عم قاسم، و يرمز إلى أبي طالب
- حنش : خادم عرفة، و يرمز إلى المشتغلين بالعلم.
ملخص
رواية "أولاد حارتنا" هي رواية عن الإنسان، تلخص مسيرة البشرية منذ خلق آدم إلى الآن، و ذلك عبر سرد محطات مهمة مر بها الإنسان و هي نزول الرسالات السماوية و بعثة الرسل. و الكاتب هنا بدأ روايته بقصة أدهم (آدم) و أخيه إدريس (إبليس) و كيف خرج أدهم من البيت الكبير (الجنة) إلى الحارة (الدنيا) بعد عصيانه لوالده الجبلاوي (و يرمز به إلى الذات الإلهية)، ثم انتقل إلى قصة ولدي أدهم و هما همام و قدري (هابيل و قابيل). و خصص بقية الرواية ليصف أحوال الحارة بعد مقتل همام (الفرع الخير من ذرية أدهم) و ركز على ثلاث فترات رئيسية قامت فيها ثورات ضد الظلم على يد جبل (موسى عليه السلام)، ثم رفاعة (عيسى عليه السلام) ثم قاسم (محمد صلى عليه و وسلم). و ختم محفوظ الرواية بقصة عرفة الذي اعتقد أن سحره وحده كاف ليقضي على الظلم في الحارة و أنه لا يحتاج إلى الجبلاوي، بل و أقدم على سرقة الكتاب الذي يضم شروط الوقف العشرة (الذي حاول أدهم أن يأخذه من قبل) و الذي اعتقد أنه يحتوي على سر السحر الأكبر، إلا أنه بفعلته هذه تسبب في قتل الجبلاوي بالخطأ و في صنع طاغية جديد جعل الحارة تغرق في فترة من الظلم و القهر لم تشهد لهما مثيلا.
الجوانب الإيجابية
1. حاول الكاتب في كتابه إسقاط قصص من أزمنة متفاوتة على المجتمع المصري، و اضطر لذلك إلى تغيير بعض التفاصيل في هذه القصص لتناسب الواقع المصري و تقاليده، و أعتقد أنه قد نجح في ذلك إلى حد بعيد، و أضفى نوعا من التشويق إلى الرواية، لأنني بالرغم من علمي بهذه القصص مسبقا و لكنني كنت متشوقة لأكتشف كيف تطرق الكاتب إلى القصة بطريقته و كيف فهمها من وجهة نظره و عبر عنها عن طريق أحداث و تفاصيل مختلفة، و كذلك كيف عالج الشخصيات و نفسياتها و أحاسيسها.
2. تطرق الكاتب في الرواية إلى فكرة محورية مفادها أن الرسالات السماوية مصدرها واحد و ظروف نشأتها متشابهة إلى حد كبير بالرغم من اختلاف الشخوص و الأزمان و الأمكنة، و الأهم من ذلك هي أن هدفها واحد هو تطبيق العدالة و الدفاع عن الحق و الحفاظ على كرامة الإنسان و إعادة المرء إلى فطرته السليمة. أما ما طرأ على إرث هاته الرسالات بعد وفاة الرسل من تغيير و تدليس فهو من فعل البشر الذين يستغلون الدين لتحقيق أطماعهم و مصالحهم الدنيوية.
3. تعبر الرواية بشكل واضح عن فكرة "التاريخ يعيد
نفسه"، فالإنسان هو نفسه لا يتغير بالرغم من تغير الزمان و المكان و الوسائل و
الظروف، تحركه الأطماع المادية و المصالح الشخصية و حب التملك و السلطة. و لذلك فالصراع
بين الخير و الشر كان و سيستمر إلى أن تفنى الأرض و ما عليها، حيث يتكرر نفس السيناريو
و لكن مع اختلاف بسيط في التفاصيل.
4. يعيب البعض على الكاتب أنه قتل الجبلاوي في نهاية القصة، مع العلم أنه يرمز به إلى الذات الإلهية. و لكنني أعتقد أنه يقصد بذلك أن عرفة الذي اعتقد أن العلم كاف لتغيير العالم و إشاعة العدل قتل فكرة الدين ولو بدون قصد لمجرد أنه تطاول عليه و اعتقد أنه يستطيع تجاوزه و العيش من دونه. و لكن نهايته تثبت أن العلم وحده غير كاف للتغيير و أن الدين حافز أساسي يجعل الإنسان يتطلع دائما إلى الإصلاح، و هو رادع في الوقت نفسه يحول دون أن تسوء الأمور أكثر مما هي عليه، فبموت الجبلاوي و امتلاك عرفة سلاح العلم، احتكر الناظر السلطة و أصبح الحاكم الناهي و لم يعد يوجد من يردعه هو شخصيا، و الأسوأ هو أن الناس أحسوا بالإحباط و العجز لأنه لم تعد توجد قيمة عليا تدعوهم للتفاؤل.
4. يعيب البعض على الكاتب أنه قتل الجبلاوي في نهاية القصة، مع العلم أنه يرمز به إلى الذات الإلهية. و لكنني أعتقد أنه يقصد بذلك أن عرفة الذي اعتقد أن العلم كاف لتغيير العالم و إشاعة العدل قتل فكرة الدين ولو بدون قصد لمجرد أنه تطاول عليه و اعتقد أنه يستطيع تجاوزه و العيش من دونه. و لكن نهايته تثبت أن العلم وحده غير كاف للتغيير و أن الدين حافز أساسي يجعل الإنسان يتطلع دائما إلى الإصلاح، و هو رادع في الوقت نفسه يحول دون أن تسوء الأمور أكثر مما هي عليه، فبموت الجبلاوي و امتلاك عرفة سلاح العلم، احتكر الناظر السلطة و أصبح الحاكم الناهي و لم يعد يوجد من يردعه هو شخصيا، و الأسوأ هو أن الناس أحسوا بالإحباط و العجز لأنه لم تعد توجد قيمة عليا تدعوهم للتفاؤل.
الجوانب السلبية
1. عندما يقرر كاتب أن يكتب رواية رموزها الدين و الرسل و الذات الإلهية فإنه بذلك يكون قد اقتحم حقل ألغام حيث الشعرة بين الإبداع و الوقاحة قد تصبح رقيقة جدا لدرجة اللامرئية. فعلى الأقل في بداية الرواية، يظهر جليا أن الكاتب يرمز بالجبلاوي إلى الله، إلا أن الصفات التي أضفاها على هذه الشخصية لا تتناسب مع من ترمز إليه، حيث صورها بالشخصية القاسية المتسلطة و جعل تصرفاتها تتنافى مع العقل و الحكمة، بل و جعل معظمها ردود أفعال غير محسوبة العواقب، و الأكثر من ذلك أنه جعل منه شخصا أنانيا ينعزل في بيته متمتعا في النعيم و يرسل أبناءه و حفدته ليذوقوا ظلم الحارة و فتواتها. و كذلك فيما يخص الرسل، كان على الكاتب أن يكون حذرا للغاية كي لا يتجاوز خط الاحترام، و لكنه في نظري لم يفلح في ذلك و تجاوز قليلا هذا الخط، فبمحاولته التركيز على إنسانية هذه الشخصيات اضطر إلى الخوض في عواطفها و أحاسيسها و أفكارها، و هذا خطير جدا خصوصا عندما يتعلق الأمر برسل.
2. لا أدري ما هي المصادر التي اعتمدها الكاتب كمرجع لقصص الأنبياء التي تناولها، و لكن هذه الروايات تتضمن أحداثا كثيرة مغلوطة :
- عمد الجبلاوي إلى طرد أدهم بعدما أقدم على سرقة كتاب الشروط العشرة للوقف من بيته، و هذا خطأ كبير، فآدم لم يطرد من الجنة إلى الأرض بسبب أكله من الشجرة، بل إن الهدف من خلقه منذ البداية كان إرساله خليفة في الأرض كما أشار إلى ذلك القرآن في سورة البقرة.
- عندما طرد الجبلاوي أدهم كان غاضبا منه و لم يعف عنه إلا بعد عشرين سنة، و هذا خطأ أيضا. فالله سبحانه و تعالى عفا عن آدم قبل هبوطه إلى الأرض، كما هو مذكور في سورة البقرة.
- زوجة أدهم هي التي دفعته إلى سرقة أبيه و وسوست له حتى قبل بذلك مع أنه كان رافضا في البداية، و في هذا تكريس للفكرة الإسرائيلية التي تجعل حواء المسؤولة عن أكل التفاحة. أما في القرآن، فالقصة مختلفة تماما، فالشيطان وسوس لآدم و حواء معا و أكلا من الشجرة معا، و الله تعالى جعل آدم هو المسؤول و خاطبه هو و عفا عنه هو و ليس عن حواء.
- صور الكاتب قاسم على أنه محب للنساء، و لذلك تزوج من نساء كثر. و مع أنه لم يحاول انتقاد هذه الصفة أو مدحها، إلا أن هذه الفكرة من أساسها غير صحيحة، فالرسول صلى الله عليه و سلم تزوج كرجل عادي من امرأة واحدة، و لكنه تزوج عندما بعث رسولا من نساء كثر لأسباب تقتضيها الرسالة، فهو القدوة الأسمى للمسلمين، و لذلك فزواجه من نساء في ظروف مختلفة تعطي مثالا في كيفية التعامل مع كل النساء، حيث تزوج من البكر و الأرملة و المطلقة، و من تصغره سنا و تكبره سنا… هذا عدا عن الزيجات التي جاءت لتحقيق مقصد شرعي أو لنصرة المسلمين.
- صور الكاتب زوجة الناظر في عهد جبل و كأنها تابعة لزوجها و قوانينه بالرغم من تعاطفها مع جبل. و لكن هذا يتنافى مع ما قاله القرآن عن آسيا، التي آمنت بالله و ما جاء به موسى و تمردت على فرعون.
- حاول الكاتب أن يجعل من رفاعة شخصا حليما رقيقا متسامحا، و لكنه بالغ في ذلك كثيرا حتى جعله يبدو بدلا من ذلك ساذجا و لا حيلة له و محط سخرية الناس. و هذا يتناقض مع شخصية عيسى عليه السلام. و إنما هي الرواية الإسرائيلية تطغى على نظرته للأمور.
- اختار الكاتب أن يجعل الموت نهاية لقصة رفاعة، و مع أنه جعل مكان دفنه مجهولا ليقترب بعض الشيء من القصة الحقيقية، و لكنه كان بإمكانه أن يجعل مصيره كله مجهولا، كأن يدفن ثم تختفي جثته قبل أن يتحقق أي شخص من وفاته. و لكنه باختياره هذا تنافى مع ما جاء في القرآن أن عيسى لم يصلب و لم يقتل و إنما شبه لأعدائه.
3. في جميع أطوار الرواية، ركز الكاتب على عادة معينة
تمارسها غالبية الشخصيات، ألا و هي تعاطي الشيشة و الجوزة و الحشيش و الخمر (أو البوظة
كما يشير إليها الكاتب) و خاصة في الحفلات و المناسبات. و أعتقد أن الكاتب يرمز بها
إلى الوسائل التي يعتمدها الذين في السلطة لتغييب عقول الشعوب و غسل أدمغتهم و إلهائهم
عن الدفاع عن حقوقهم. و لكن ما صدمني هو أن الكاتب لم يستثن من هذه العادة حتى بعض
الشخصيات التي ترمز إلى الأنبياء، و هذا فيه إساءة أدب مع من اختارهم الله لحمل رسالته
فجعلهم معصومين من الخطأ و هيأهم لذلك منذ ولادتهم.
تقييم
إنها لشجاعة من الكاتب أن ينقل قصصا من أزمنة و أماكن مختلفة و يسقطها على الحارة المصرية، و ما يترتب عن ذلك من تغيير في الأحداث و الشخصيات لتتناسب مع البيئة التي اختارها. و قد نجح الكاتب في ذلك إلى حد كبير. كما أعجبتني أيضا الفكرة الرئيسية التي تدور حولها الرواية، و هي أن الرسالات السماوية جاءت بالأساس لقهر الظلم و تطبيق العدالة و إعلاء راية الحق، و أن العلم وحده غير كاف لتحقيق هذه الأهداف، بل لابد من الدين الذي بإمكانه إعلاء همة الناس و تفجير طاقاتهم الكامنة.
إلا أن نجيب محفوظ باعتباره كاتبا عالميا و أدبه موجه ليس للعرب و المسلمين فقط، و إنما لشريحة كبيرة من الناس من مختلف الثقافات و الأديان، فإن كل كلمة يقولها محسوبة عليه، لأنها تساهم في إعطاء فكرة عنا و عن تاريخنا و ديننا للآخر، و أي خطأ و لو كان غير مقصود قد يكرس انطباعات خاطئة عن ثقافتنا و أفكارنا. و كما ذكرت سلفا، لقد أورد الكاتب في الرواية أحداثا تاريخية لم تقع و تفاصيل مغلوطة و تأويلات شخصية لا تمت للحقيقة بصلة. عدا عن ذلك فإن معالجته لشخصية الجبلاوي لم تكن للأسف موفقة خصوصا و أنه يرمز به إلى الذات الإلهية، لذلك كان يجب أن يكون أكثر حذرا. و هذه العوامل في نظري تقلل من جودة الرواية و تؤثر على الرسالة الكامنة وراءها.
لذلك فتقييمي للقصة هو 4/5.
آمال