الكاتب : أنيس منصور
الطبعة
الأولى : 1956
نبذة
عن الكتاب
في المقدمة،
يوضح الكاتب الغاية من نشره هذا الكتاب، و هي تصحيح بعض الأفكار الخاطئة حول الفلسفة
الوجودية. فبالنسبة له، الوجودية فكر جاد مخلص إلا أنها لا تريح من يدرسها لأنها تشكك
في كل شيء و تهدم كل الأفكار التقليدية التي اعتاد الناس تبنيها. و يشجع الكاتب على
قراءة كتابات الآخرين عن الوجودية قبل القراءة لكتاب وجوديين من أجل فهم الجوهر الحقيقي
لهذه الفلسفة. و انطلاقا من التسلسل الذي اعتمده الكاتب، يمكننا أن نعتبر الكتاب منقسما
إلى جزأين أساسين. الجزء الأول هو عبارة عن مجموعة مقالات يحاول من خلالها الكاتب تسليط
الضوء على الوجودية باعتبارها اتجاها فلسفيا معاصرا، و يقدم نبذة عن المراحل التي مرت
بها عبر التاريخ، و ذلك من خلال سرد حياة بعض الفلاسفة و المفكرين الوجوديين و محاولة
شرح و فهم أفكارهم و مذاهبهم. أما الجزء الثاني فقد خصصه الكاتب لبعض القصص القصيرة
التي تعبر عن بعض الأفكار الوجودية بشكل أدبي غير مباشر، من أجل تقريبها إلى القارئ
عبر أمثلة ملموسة.
بعض الأفكار
الرئيسية
ما هي
الوجودية؟
يعرف
الكاتب المذهب الفلسفي على أنه مجموعة من الأحكام العامة و المبادئ المتكاملة التي
تفسر عدة إشكاليات متعلقة بالله و الكون و الروح و الإنسان و القيم الأخلاقية و الجمالية.
فهل الوجودية مذهب فلسفي؟ يجيب الكاتب عن هذا السؤال بفرضيتين. فمن جهة، لا يمكن اعتبار
الوجودية مذهبا فلسفيا لأنها تعارض الأحكام العامة و لا تتناول كل المشاكل الفلسفية
المعروفة، بل تستبعد مثلا الأسئلة المتعلقة بالله و الكون لأنها لا تعني الإنسان في
حياته اليومية. و من جهة أخرى، يمكن للوجودية أن تعتبر مذهبا لأنها تفسر عددا من المشاكل
إلا أنها تترك تقديرها لكل مفكر.
و عموما
ينفي الكاتب أن تكون الوجودية دينا أو مذهبا سياسيا، بل هي اتجاه في الفلسفة جاء ليعيد
للفرد مكانته ووزنه و يعطيه الحرية في فهم ذاته بدل التركيز على الكون و المجتمع كما
كان معروفا في المذاهب السابقة. و المفاهيم الرئيسية التي تنادي بها الوجودية هي الاستقلال
و حرية الاختيار و المسؤولية، فالإنسان في نظر الوجوديين وجد في العالم و له الحرية
الكاملة في اختيار قوانينه و كيفية عيشه.
بالإضافة
إلى ذلك، يدافع الكاتب عن الكتاب الوجوديين و يصرح أن هدفهم هو نقل الواقع كما هو بكل
سلبياته و وضع اليد على المشاكل التي يعاني منها المجتمع، و ليس دورهم إيجاد حلول و
علاج لهذه المشاكل. و لذلك يتهم البعض الوجودية بالتشجيع على الانحراف و الشذوذ في كتاباتهم. و هذه النظرة في نظر الكاتب
افتراء و مجانبة للحقيقة.
تاريخ
الوجودية
منذ أربعة
و عشرين قرنا، كان سقراط أول من أنزل الفلسفة من القصر العاجي الذي حبست فيه ليجعلها
في متناول عامة الناس، حيث كان يتناقش في أي شيء و مع أي أحد، و يخوض حوارات طويلة
مع تلامذته و خصومه و مع نفسه أحيانا. و قد دونت هذه الحوارات من طرف تلميذه أفلاطون
و بفضله استطعنا الاطلاع عليها حاليا. و يرجع بعض المؤرخين بداية الوجودية إلى سقراط
لأنه كان سباقا إلى محاولة فهم الذات و الإنسان و طرح تساؤلات عديدة في هذا الاتجاه.
و في
أواخر القرن الثامن عشر، عانت الفلسفة و الأدب أزمة عميقة و ذلك بظهور فلسفات تقدس
الحكومات و تجعلها قوة مطلقة و تذيب ماهية الإنسان في مفهوم الدولة و المجتمع كفلسفة
ماركس و هيجل. و هكذا، انطلقت الوجودية المعاصرة في القرن التاسع عشر على يد سورين
كيركجورد في الدنمارك، كمحاولة للثورة على الاستعباد و التعبير عن حق كل فرد في أن يكون حرا مستقلا.
و مع
بداية القرن العشرين، بدأت الوجودية تظهر في الأدب و المسرحيات بشيء من الحياء عند
جابرييل مارسيل و بعده بوضوح
أكثر عند جان بول سارتر الذي
كان أول من جعل الفلسفة أدبا و الأدب فلسفة و جاء بمفاهيم و مصطلحات جديدة و ثائرة
عارضها الفلاسفة التقليديون بكل استماتة و أصبحت تؤول فيما بعد بالشذوذ و الانحراف.
مقارنة
بين الوجودية و الشيوعية
الوجودية
|
الشيوعية
|
كلاهما فلسفة
مادية واقعية تبدأ من وقع التجربة الإنسانية
|
كلاهما فكر ملحد
يعتبر الدين ظاهرة مرهونة بظروف اجتماعية
|
اتجاه في الأدب و الفلسفة
|
مذهب في السياسة و الاقتصاد
و الحكم و الحرب
|
منهج للدراسة و تصحيح
المفاهيم
|
برنامج عملي و خطة مرسومة
للغزو و الاستعمار
|
تؤمن بالاختلاف
|
تنتهج سياسة الرأي الواحد
|
صرخة إنسانية على الاستعباد
تعتبر
الفرد غاية لذاته
|
ثورة على حرية الفرد و
استقلاله، ثورة لجعل الفرد وسيلة لأي شيء
|
تشجع التساؤل
|
عدو لكل تساؤل و هي فلسفة
الأمر و النهي و الضرب
|
نبذة عن بعض
الفلاسفة الوجوديين
الفيلسوف
|
نبذة عن حياته أو فلسفته
|
سورين كيركجورد
|
من هو؟
- فيلسوف ولاهوتي دنماركي
ولد في مدينة كوبنهاجن في 5 مايو 1813م و توفي
في 11
نوفمبر 1855م.
- ورث كل شيء عن أبيه حتى
خطاياه التي رآه يقوم بها.
- كان سجين ماضيه الذي عاشه
مع أبيه و كان يتمتع بتذكر هذا الماضي و وصفه لتعذيب نفسه و جلدها.
- ثار على الديانة المسيحية
كما كان يراها رجال الدين و دعا إلى إعادة فهمها.
نبذة عن فلسفته
- الإنسان يستحق أن يعيش
من أجل الأبدية.
- الخطيئة تلاحق الإنسان،
و لا فرار من الخطيئة إلا باليأس منها و من الوجود كله.
- كان الدين الفكرة الأساسية
لفلسفته، حيث كان يدعو لدين متغير و إيمان متجدد و ليس إلى دين جامد.
- اعتبر أن الدين لا يجب
أن يستند إلى العقل بل إلى الإيمان المطلق الذي يحتم الطاعة التامة و لا يؤمن بالتساؤلات.
- لا يصح أن يقال إن الله
"موجود"، فالإنسان هو الموجود لأنه متغير و له ماض و حاضر و مستقبل، أما
الله بالنسبة له ف "كائن"
لأن قوانين الزمان و المكان لا تنطبق عليه.
- من يعتمد على العقل وحده
كوسيلة للإدراك دون الوجدان، يكون كمن يضع كل شيء في قالب ضيق أو ينظر إليه من ثقب
إبرة، و يحاول بعدها فهم العالم انطلاقا من زاوية ضيقة، و هذا هو الفرق بين الفيلسوف
و الفنان، بين فلسفة العقل و فلسفة الوجدان، بين الهيجلية و الوجودية.
- قرر أن يكون مؤمنا لأن
الإلحاد يعني الشك و الشك يعني التساؤل و التساؤل يعني العقل، فكيف إذن يلحد و هو
أكبر معارض لفلسفة العقل.
- أول من استعمل كلمة الوجود
و الموجود و الفزع و القلق و الحقيقة الإنسانية.
|
جون بول سارتر
|
من هو؟
- فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي
و ناقد أدبي و
ناشط سياسي فرنسي، ولد
في باريس في 21 يونيو 1905 و توفي في 15 أبريل 1980.
- جعل الفلسفة تصل إلى عامة
الناس عن طريق الأدب.
- نقل الفلسفة إلى الشارع
و المقهى و اعتاد الكتابة على مرأى من الناس.
- تحدى خصومه بتأليف كتاب
فلسفي ضخم "الوجود و العدم" يتكون من 700 صفحة
و يشرح فلسفة الظاهريات
للفيلسوف الألماني هوسرل.
- كتب مسرحيات في الوجودية.
- كان محاربا من رجال
الكنيسة و الصحف الكاثوليكية و الشيوعيين.
- كتب مسرحيتين عن الشيوعية
هما "الأيدي القذرة" و "نكراسوف".
نبذة عن فلسفته
- استبعد التساؤل عن الله و جعله
مقترنا فقط بالدين و ليس الحياة اليومية للإنسان.
- تناول في
كتاباته مواقف نفسية معوجة و شاذة
- قام بنقل الواقع الأوروبي
المعاصر و فضح المشاكل النفسية و الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع دون محاولة
تجميلها، بل وصفها كما هي بكل قبحها و بشاعتها.
- اعتبر أن الإنسان ألقي
به في هذا العالم دون علم منه بلا هدف و لا غاية
و لا أخلاق و لا إله، و عليه هو أن يصنع أهدافه و غايته و أخلاقه و إلهه.
- استعمل مرادفات جديدة
و غريبة على المجتمع كالوجود، العدم، الالتزام، الحرية، ...
|
نيكولاي بردائيف
|
من هو؟
- فيلسوف روسي ولد في مدينة
كييف في 18 مارس 1874،
و توفي في 24 مارس 1948.
- كانت أمه أميرة فرنسية
و أبوه ينحدر من سلالة من العسكريين الوطنيين.
- كان أستاذا للفلسفة في
موسكو، ثم سافر إلى برلين و بعدها إلى باريس.
- سجنه القيصر بتهمة الشيوعية
و سجنه السوفييت بتهمة الشعوذة الدينية و ثارت عليه الكنيسة لأنه كافر.
نبذة عن فلسفته
- الإنسان يصنع لنفسه القيود
و يضع عليها الورود.
- المجتمع مليء بالقيود
"الدين"، "الأسرة"، "الطبقة"... و الإنسان يختار
منها ما يشاء.
- لا بد من الحرية و لا
بد من القيود.
- الفرد أقوى من المجتمع
لأنه كائن حي يفكر و يحس و يتغير، أما المجتمع فمجرد كلمة أطلقت على مجموعة من الناس
و ليس لها وجود فعلي.
- الشخصية ليست حالة بل
هدف و غاية يعمل الإنسان على تحقيقها.
- هناك من يقول : أنا أفكر
إذن أنا موجود، و من يقول : أنا أحب إذن أنا موجود، و آخر
يقول : أنا جائع إذن أنا
موجود. و لكن الإنسان لا يمكن أن يفكر أو يحب أو يجوع إلا إذا كان موجودا. فالوجود
أولا و بعد ذلك تأتي الأشياء الأخرى.
- الإنسان كائن إيجابي مبدع
و خلاق، و يجب عليه أن يبدأ بتغيير نفسه أولا حتى يستطيع تغيير العالم
من حوله.
|
ألبير كامو
|
من هو؟
- فيلسوف وجودي وكاتب مسرحي
وروائي فرنسي. ولد في قرية الذرعان بمقاطعة
قسنطينة بالجزائر في 7 نوفمبر 1913، و توفي
في 4 يناير 1960.
نبذة عن فلسفته
- كل الناس مثل سيزيف، حكم
عليهم بالحياة دون أن يعلموا
الغاية منها، و هم يحاولون
أن يجدوا لها طعما و معنى عن طريق
الدين و الحب و الفن.
- الدين هو الأمل، و الأمل
هو اليأس، فمن يأمل في شيء ييأس من شيء أقل قيمة.
- الأفضل أن تكون الحياة
دون طعم على أن نسير وراء رجال الدين و الفلاسفة، المهم أن نسير حتى و لو
بدون غاية.
- الإنسان الحر هو الذي
يكون له الحق في أن يصيب و يخطئ، و يعترف بحرية الآخرين في الخطأ.
- استطاع الإنسان أن يصبر
على الحياة بسخفها و رتابتها بفضل الناس الآخرين الذين ارتبط بهم و عاش معهم، و الناس
تتماسك في وجه الحياة لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يقيد نفسه بمحض اختياره
ويحرص على قيوده كمظهر من مظاهر حريته.
باختصار إذن الوجود
سخف، و الحياة سخف و الحرية سخف.
- انتقد فلسفة ماركس الذي
يعد بجنة دون حرية، و فلسفة هيجل الذي يعتبر الإنسان ليس له قيمة إلا في إطار دولة،
و فلسفة نيتشه الذي ينكر وجود الله و يدعو الناس للخضوع للطغاة.
|
ميغيل دي أونامونو
|
من هو؟
- فيلسوف وشاعر وروائي ومؤلف
تمثيليات إسباني، وُلد في بلباو في 29 سبتمبر 1864 و توفي سنة 1936.
نبذة عن فلسفته
- كان يعتقد أن
جوهر الوجود هو الموت.
- طرح ثلاث حلول لإشكالية
الموت :
أن نعرف معرفة يقينية أننا لابد أن نموت كليا، و إذن فاليأس لا مفر منه. أو أن نعرف
معرفة يقينية أننا لن نموت كلية، و معنى ذلك أن نستسلم. أو نعجز عن معرفة هذين الأمرين
السابقين، و معنى ذلك :
استسلام يائس أو يأس مستسلم أو الكفاح. فالإنسان يجب أن يقاوم الموت ولو لم يكن هناك
أمل في النصر.
- ليس بعد الموت شيء، لا
بعث و لا نشر. فالموت بالنسبة له
إذن ينتهي بالعدم.
|
المركيز دي ساد
|
من هو؟
- أرستقراطي ثوري وروائي فرنسي ولد
في 2 يونيو 1740، و توفي في 2 ديسمبر 1814.
- أوصى أن يوضع جثمانه في
تابوت خشبي و ينقل إلى مكان بعيد و يوارى بالتراب و البلوط حتى لا يعثر عليه أحد.
و لكنه بدلا عن ذلك تم دفنه على الطريقة المسيحية التقليدية بل و أخرجت جمجمته فيما
بعد للبحث و الدراسة.
- صودرت كتبه و أحرقت و
لم يسمع به إلا في بداية القرن العشرين على يد الشاعر الفرنسي أبولونير.
- نسبت إليه كلمة السادية،
و معناها اللذة و المتعة في تعذيب الآخرين.
نبذة عن فلسفته
- دعا إلى إشباع كل الرغبات
دون ضابط أو تقيد بأي أخلاق أو دين.
- حاول أن يجعل من الشذوذ
مذهبا أخلاقيا و من الكفر بالأديان دينا جديدا و من الفوضوية نظاما.
- ثورته على التقاليد جعلت
منه من أوائل أنبياء السريالية أو المذهب فوق الواقعي.
- اشتهر بفضائحه و أفعاله
الماجنة و جرائمه العنيفة، و لبث في السجون مدة طويلة، كما احتجز مدة في مصح للأمراض
العقلية.
- كان يكره النساء (و خاصة
حماته) و رجال الدين و رجال القضاء.
- آمن بالطبيعة، و لكن ليس
كمصدر للخير و الجمال و الفضيلة كما يقول روسو، بل كمصدر للشر و الرذيلة و القبح
و الجريمة و القسوة و الأنانية.
|
تقييم
عام
ربما
لا أعرف
الكثير عن الوجودية، و لكنه يتضح من أسلوب أنيس منصور أنه منحاز إليها و معجب بالمفكرين الوجوديين، و لذلك فإن رأيه
عنها لا يمكن التسليم به كليا لأنه غير موضوعي إلى درجة كبيرة. و لكنني مع ذلك أمنح
الكتاب 4/5 لسببين. أولهما أنه سلط الضوء على مفاهيم كثيرة عن
الوجودية لم أكن أعلمها
من قبل، و هذا أعزوه إلى
تقصيري في قراءة الفلسفة عموما. أما السبب الثاني فهو أنه
عرفني على كتاب وجوديين كثر و أعطى نبذة مختصرة عن فكرهم. و بالرغم أن
الكاتب لم يعرف الوجودية بشكل واضح و منهجي بل لربما سطحها و بسطها لدرجة مبالغ
فيها، و لكنه مع ذلك رسم خريطة البحث و الطريق التي يجب سلوكها لمن
يريد التعرف على الوجودية و دراستها عن قرب. فالتقييم إذن يأخذ بعين الاعتبار أن الكتاب
مجرد مدخل للوجودية و ليس دراسة شاملة عن الوجودية.
آمال