عندما قرأت كتاب الأب الغني الأب الفقير لأول مرة، وكنت أصلا متحمسة لقراءته بسبب ما سمعته عنه أو ما قرأته عنه في الإنترنت، لا أنكر أنني انبهرت به أيما انبهار خصوصا و أن الموضوع الذي يعالجه هو موضوع يهمني كثيرا و هو مسألة الحرية المالية، كما أن الطريقة التي طرح بها الكاتب أفكاره طريقة صادمة و مستفزة. و أكثر ما أثار انتباهي و اهتمامي النقط التالية، وفي الحقيقة لقد زادت هذه الأمور من وعيي المالي:
- مقارنته بين تفكير الفقير و تفكير الغني
- نظرية سباق الفئران، التي تظهر اخطار الاستهلاك الغير الموجه و المدروس، و وهم الراتب الكبير و الحياة الوثيرة
- جدول الأصول و الخصوم و علاقته بالوضعية المالية للشخص
- التدفق المالي
- أهمية التوفير ثم الاستثمار ...
لكنني كما تعودت دائما عندما أنبهر بكتاب معين، أعيد قراءة بعض الفقرات مرة تلو مرة لأمحص أفكاره، لأنني أؤمن أن التكرار يخفف الانبهار، و يجعل المنطق يعمل أكثر، و لأنني أعي جيدا أن الكتاب يستخدمون طرقا كثيرة لإقناع القارئ بأفكارهم و منها استفزاز مشاعره أو إحداث صدمة لديه.
و فعلا عندما قرأته عدة مرات، و دونت أفكاره و علقت عليها، تبين لي أن الكتاب بالفعل يحتوي أفكارا مهمة تتطلب التوقف و التحليل و النقاش؛ غير أن مجمل الأفكار التي جاء ت في الكتاب ليست أفكارا جديدة، و إنما هي أفكار مستهلكة لكن بحلة جريئة مثيرة و مستفزة و صادمة، وهي أيضا متأثرة بالمنظور المادي الذي تربى عليه الكاتب و الذي لم يسعى أبدا لإخفائه و لكن بالعكس سلط الضوء عليه و يفتخر به.
و لست هنا أنقص من أهمية الكتاب، فأنا ما زلت أعتقد أنه كتاب يستحق القراءة و يطرح أفكارا تستحق النقاش، و خير دليل على ذلك أنني أقوم الآن بكتابة هذا التعليق الشخصي على الكتاب متبوعا بملخص لأهم الأفكار التي يحتويها، و مدى اختلافي و اتفاقي معها.
وكما قلت لقد طرح المؤلف أفكارا معروفة
لكن بحلة جديدة، أفكارا مهمة يمكننا تطبيقها كمسلمين و أخرى لا تتماشى مع مبادئنا.
و فيما يلي ملخص لأهم هذه الأفكار.
أفكار مفيدة و مجرد الوعي بها يجعل القارئ يغير من نظرته إلى راتبه، منزله، طريقة الاستهلاك لديه، توفيره:
- الوعي بأن المنزل الذي نسكن فيه ليس أصلا بل خصما
- مسألة الأصول و الخصوم و التدفق المالي و تأثيرها على الاستقلال المادي
- ضرورة وجود أعمال أخرى بجانب الوظيفة حتى يكون للشخص دائما حلول بديلة و يملك قرار حياته
- الاستهلاك الغير المقنن و تأثيره على التوفير و بالتالي على الوضعية المالية للفرد و الأسرة
- من أراد أن يحقق الاستقلال المالي عليه بالتجارة و ليس الوظيفة
- الاستثمار في شراء العقارات و كل ما يمكن أن يزيد ثمنه مع الوقت إحدى الطرق لزيادة الثروة على المدى الطويل
- الموظف الذي ليس له إلا الراتب ليس مستقلا ماديا و إنما هو سجين وظيفته، و كثير من القرارات في حياته رهينة براتبه
- الذين تلقوا التعليم العالي ليسوا هم الأثرياء
أفكار متعارضة مع الأخلاق الإسلامية و تنم عن نظرة مادية إلى الحياة:
- الاستخفاف بالموظفين و الأجراء و الفقراء والنظر إليهم كأنهم أقل رتبة من الملاك و الأغنياء، و إغفال الدور الكبير الذي يلعبونه في التنمية، فميزان تقييم الناس عند الكاتب هو المال.
- التوصية بالتهرب من الضرائب عبر تجميد الأموال في سندات ربوية
- توفير مال الاستثمار من خلال قروض ربوية
- إذا أراد ابنك او ابنتك عدم إتمام الدراسة و التوقف عن طلب العلم للقيام بأي عمل حر مهما كان بسيطا، يجب أن تشجعه و ألا تقف في طريقه فالمال أهم من العلم في نظر الكاتب.
كما أن هناك بعض الأفكار أعتقد أنها تبدو غير
منسجمة:
- يوصي الكاتب بضرورة الاستثمار و خلق الشركات و توظيف موظفين جيدين و أمينين لكي يريحوك من عبء العمل و في نفس الوقت يحتقر الموظفين الدؤوبين، و الذين يعملون بإخلاص و جدية، و ينعتهم بأنهم يضيعون مجهودهم ووقتهم لإغناء الآخرين، فنظرته هنا مزدوجة. فلا يمكن أن تقوم قائمة لأصحاب الشركات دون هؤلاء الموظفين فالمشكلة هنا ليس وجود الموظفين و لكن نظرة الرأسمالية التي ترى الموظف أداة لإنجاز العمل و تحقيق الربح.
- يقلل الكاتب من شأن تحصيل العلم الأكاديمي لأنه لا يجعلك غنيا، مع أنه رجل تلقى التعليم العالي و أنا أؤمن أن هذا ساعده كثيرا في التعامل مع حياته، حتى أصبح ما هو عليه، وهذا الكتاب الذي يعتبره أصلا لأن حقوقه الفكرية تدر عليه أرباحا طائلة هو خير دليل، كما أنه يعود في موضع آخر ليحث القارئ على تحصيل العلم ليصبح غنيا.
- الكاتب عندما يتناول فكرة ما، لا يعطيها حقها من كل الجوانب، فيكاد يقنعك في موضع ما أنه عليك أن تتخلى عن الوظيفة، ثم تفاجأ به في موضع آخر يقول لك عليك بالتريث و صنع البدائل، ثم يحث على المغامرة حينا، و التريث حينا آخر. فصحيح أنه عندما تجمع الأجزاء تتضح الصورة حيث ستجد أنه يحث على الاستثمار و لكن في شيء نفهمه، و أنه لا ينصح بترك الوظيفة قبل إيجاد بدائل أخرى، لكن المشكلة تكمن أنه في بعض الفقرات لا يبدو الأمر على هذا النحو من الوضوح.
و في الختام، أود أن أضيف أنني أعتقد أن الكاتب أراد فعلا أن يعطى القارئ دروسا لتحقيق الثراء و الاستقلال المادي في جو رأسمالي بحث، منطلقا من تجربته الخاصة و هو شخص تابع تعليمه العالي و اشتغل موظفا لبعض الوقت في إحدى الشركات في بلد رأسمالي، ولهذا هو لم يسعى إلى انتقاد المنظومة الرأسمالية و هذا مفهوم جدا؛ بل إنه أعطى حلولا في داخلها، فأوصى بالتهرب من الضرائب التي تكون أحيانا جائرة، وأعطى كحل لتوفير مال الاستثمار أخد قرض بالربا عند الضرورة، و نظر إلى العمال نظرة رأسمالية بحثة باعتبارهم أدوات لتحقيق الربح.
و لهذا فإنني إذ أؤكد أنني وجدت جدول الأصول والخصوم، و التدفق المالي، و الحرص على توفير بدائل أخرى لتحصيل المال غير الوظيفة، و ترشيد الاستهلاك، والعمل على الاستثمار و التجارة من أجل تحقيق الاستقلال المالي قضايا مفيدة لي و طورت وعيي المالي بعد قراءة الكتاب، إلا أنني أعتقد أن بعض النصائح التي قدمها الكاتب كانت من منطلق مادي محض و في مجتمع رأسمالي لا يؤمن إلا بالنفعية و الفردية، و هذا شيء لا يصلح لحياة المسلم الذي يجب أن تتعدى نظرته إلى المال النظرة الفردية الضيقة إلى رحابة المنفعة الجماعية و العدل الاجتماعي، إلى جانب الملكية الفردية و استغلال قوة المال فيما يفيد المجتمع و ليس فقط لكنز الثروات أو إشباع الشهوات.
Rachida KHTIRA
Software engineer at the Moroccan Ministry of
Finance.
Interests: Reading, travel and social activities.
|
سلام واش الترجمة ديالو زوينة
ReplyDeleteفين شريتيه وبشحال كنت باغا نشريه لقيت غير النسخة الفرنسية ب 250 درهم جاتني غالية
سلام اختي رقية شكرا جزيلا لمتابعتك و اهتمامك
Deleteانا قراته بصيغة البدف حملته من انترنت مجانا. ولكن ان كنت في الرباط يمكنك ان تبحثي عنه في مكتبة الالفية مقابلة للبرلمان لكن لا اعرف حقيقة ثمنه.
بالنسبة للترجمة انا وجدتها مقبولة جدا
Deleteشكرا على المعلومات اخيتي
ReplyDeleteMerci rachida pour ton analyse, ça resume parfaitement les idées du livre. Merci pour le partage
ReplyDeleteشكرا عزيزتي رشيدة على تحليلكي الدقيق الذي وضح لي بعض الافكار المتناقضة في الكتاب التي لم أقف عندها كثيرا عند قراءتي له
ReplyDeleteشكرا جزيلا على اهتمامكم، و أتمنى أن تفيدكم بعض الملخصات و التحليلات التي أشاركها معكم
ReplyDeleteمن خلال هده المدونة
جزاك الله خيرا على هذا التعليق القيم
ReplyDeleteلكن هناك نقطة لا أوافقك عليها وهي تخص احتقار الكاتب للموظف أو الفقير من باب تقديسه للمال وأهله
بل هو على العكس يحتقر بساطة تفكير هذا الموظف ومحدوديته وأنه بدون طموح ويستحق حياة أفضل من ذلك إذا كان مبادرا وجريئا
وحرصه على الوظيفة وارتباطه بالأجرة وخوفه من فقدانها هو عين العبودية واستعباد المال له
أما عند تحقيق حريته المالية وتحقيق شروطها بعيدا عن هوس الاستهلاك ووو..عندها يأتي المال إليه ويخدمه دون خوف من فقدانه...
https://youtu.be/KiI_F_mI0Os
ReplyDeleteشكرا جزيلا الاخت على نقدك البناء وانا اتفق معك تمام الإتفاق في الذي قلتيه
ReplyDeleteشكرا لك على تحليلك للكتاب وإنصافك لأفكاره لقد انفعت بتحليلك(:
ReplyDelete