عنوان
الكتاب : المرجعية العليا في الإسلام للقرٱن و السنة
الكاتب : يوسف القرضاوي
تاريخ النشر : 01/01/1993
عدد الصفحات : 368
دار النشر: الرسالة
ملخص لبعض الأفكار الهامة
في هذا
الكتاب، يحدد الدكتور يوسف القرضاوي المرجعية العليا للإسلام في المصدرين الإلهيين
المعصومين : القرآن والسنة.
و مع أنه
يؤكد على ضرورة إعمال العقل لترشيد الفهم و تسديد الاستنباط و تبيين
الطريق، إلا أنه يؤكد على ضرورة احترام المعالم و الضوابط في فهم الأصلين
المعصومين و تفسيرهما وينبه من المزالق و
المحاذير عند فعل ذلك.
فيما
يلي ملخص لبعض الأفكار الهامة التي طرحها الدكتور القرضاوي في الكتاب، إلا أن
الملخص لا يغني عن قراءة الكتاب لمزيد من الاستفادة فهو غني بالأفكار و الدراسات و
الملاحظات التي تستحق المطالعة.
تمهيد
1. لا يذكر الإجماع و القياس ضمن مصادر الإسلام لثلاثة أسباب:
2. الكثير
من المسلمين و غير المسلمين فهموا الإسلام بطريقة غير صحيحة و حرفوه عن حقيقته إما
بتجزئته أو إضافة ما ليس في تعاليمه أو مسخها و تشويهها أو الإخلال
بالتوازن الذي نصت عليها، لذا كان من الضروري تحديد المصادر التي يؤخذ منها
الإسلام الصافي من كل شائبة و هما بدون خلاف القرآن و السنة. غير أنه في سعينا لفهم الإسلام الصحيح ينبه
القرضاوي من اتجاهات مرفوضة و هي:
موقف المسلم من المصدر الأول القرآن
1. حسب
الدكتور القرضاوي فإن موقف المسلم من القرآن موقف واضح بين لا اشتباه فيه و لا
اختلاف عليه و وضحه في النقط التالية:
2. و
يحذر القرضاوي من التعامل مع القرآن كما يفعل بعض الذين يدعون الإسلام ولكنهم
يقبلون أحكام القرآن في العقائد و العبادات و الأخلاق و لا يقبلونها في شؤون
التشريع و السياسة و الاقتصاد، فالقرآن وحدة لا تتجزأ تعاليمه و أحكامه مترابطة
متكاملة.
3. ثم
يوضح القرضاوي أنه لكي يتيسر للمسلم العمل بكلام الله عز وجل بعد أن أذعن له و سلم
بما جاء به، فلابد من حسن الفهم. وهذا يحتاج إلى قواعد و ضوابط لفهم القرآن و
تفسيره، تمنع تلاعب المبطلين وتأويل الجاهلين وتحريف الزائغين.
4. ثم
يؤكد القرضاوي على جواز التفسير بالدراية أي بالرأي إلى جانب التفسير بالرواية أي
بالنقل، و ذلك عبر ما نقل بالتواتر عن كبار الصحابة الذين قالوا بالرأي
في القرآن. كما برر القرضاوي تحرج بعض الصحابة من التفسير لورعهم و تهيبهم من ذلك،
ويقدم للقارئ رأيه و آراء العلماء في الأحاديث التي حذرت من التفسير كما يستشهد
بأحاديث أخرى يرى أنها تجيز التفسير بالرأي و تشجعه.
5. ويرى الكاتب أن أقوم المناهج في التفسير ما مزج بين الرواية و
الدراية، و جمع بين صحيح المنقول و صريح المعقول، و بين تراث السلف و معارف الخلف،
و يبين الخطوات التي يجب إتباعها في هذا المنهج كما يلي:
6. وفي نهاية
هذا الجزء نبه القرضاوي من بعض الأمور التي يمكنها أن توقع في الخطأ من يريد أن يفسر القرآن
وهي:
- الحذر من الأحاديث الواهية والموضوعة في التفسير
- الحذر من الإسرائيليات الدخيلة، التي كدرت صفاء الثقافة الإسلامية
- الحذر من الروايات الضعيفة و المكذوبة على الصحابة و التابعين
- الحذر من الآراء الفاسدة و المردودة في التفسير و التي لا يسلم منها عالم و إن كان من كبار المفسرين
موقف المسلم من المصدر الثاني:
السنة
حجية
السنة و مكانتها في التشريع و التوجيه
إذا كان القرآن يحوي الأصول و القواعد الأساسية للإسلام من عقائد و عبادات و معاملات و آداب فإن السنة هي البيان النظري و التطبيق العملي للقرآن في ذلك كله. لذا فهي بعد القرآن الكريم تمثل المصدر الثاني للإسلام. و دل على ذلك القرآن و السنة نفسها و إجماع الأمة و العقل و النظر. و لقد قدم القرضاوي في كل باب عدة أدلة سأكتفي بعرض دليل في كل باب من باب الاستفادة مع أن هناك الكثير منها:
لا
قرآن بغير سنة
في هذه
الفقرة يستعرض الدكتور القرضاوي شبهات أعداء السنة الذين لا يرونها مصدرا للتشريع
والتوجيه، كما يعرض حجج علماء السنة في الرد عليهم كالتالي:
الشبهات
|
الرد عليها
|
قوله تعالى: "ما فرطنا في
الكتاب من شيء" الأنعام 38
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء" النحل
89
|
القرآن يبين القواعد و السنة تفصل الأحكام، فالمراد بالآية
الأصول و القواعد الكلية التي يقوم عليها الدين، و مثل ذلك الصلاة فلم يرد في القرآن
تفصيل لها في حين ورد في السنة.
|
إن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن )"إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" الحجر 9) و لم يتكفل بحفظ السنة
|
القرآن يستلزم بحفظ السنة ضمنيا بما أنها تفصيل لما جاء فيه
|
إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للقران كتابا ولم يجعل ذلك للسنة بل نهى
عن ذلك
|
و يشرح القرضاوي أن سبب ذلك هو توفير الهمم لكتابة القرآن و أيضا لكي لا
تختلط السنة بالقرآن، إلا أن هناك دراسات جدية و متخصصة للسنة تنقل أن الرسول
صلى الله عليه وسلم أذن لبعض الصحابة أن يكتبوا كعبد الله بن عمر و غيره.
|
السنة دخلها المنكر و الموضوع و ما لا أصل له و الضعيف و الواهي
|
وهنا يرد القرضاوي على هذه الشبهة بأنه رغم كذب الكثيرين على الرسول صلى
الله عليه وسلم إلا أن علماء السنة الجهابذة قد طاردوا هذه الأكاذيب و قاموا
بكشفها بشتى الطرق، فقد وضعوا القواعد الضابطة وأسسوا علوم الحديث و مصطلحه و أسسوا لشروط قبوله وهو ما لم تفعله أمة من قبل لحفظ
تراث نبيها. ومن يؤمن بهذه الشبهة فهو حتما لم يعلم شيئا من علوم الحديث.
|
علماء الحديث قصروا همهم على علة تحقيق الأسانيد دون المتن
|
يؤكد القرضاوي أن هذا جور على علماء السنة الذين اهتموا بالجانبين معا و
يعطي أمثلة على ذلك من كتب العلماء.
|
السنة و حتى الصحيحة منها تشتمل ما قاله الرسول بصفته
البشرية أو الرئاسية أو القضائية أو تجربته الدنيوية
|
هذا صحيح إلا أن السنن المتعلقة بذلك قليلة، أما التي صدرت عنه صلى الله عليه وسلم بوصف التشريع و التبليغ فهي الغالبة. و المنهج الصحيح
أن يعرف هذا النوع من السنة مما ليس له صلة بالتشريع قط أو ليس له صلة بالتشريع
العام الدائم لكن لا يعقل أن يترك العمل بالسنة التشريعية بسبب ذلك.
|
ثم
يمضي القرضاوي في تبيينه لحجية السنة بدليل القرآن، بذكره أن الاستغناء عن السنة بالقرآن
مخالف للقرآن نفسه، فكتاب الله مليء بالآيات الصريحة التي تدعو المسلمين لطاعة
الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. و يفسر عطف طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
على طاعة الله في أكثر من موضع مثلا كقوله تعالى في سورة الأحزاب آية 71 "و من يطع الله و رسوله فقد فاز
فوزا عظيما" بكون العطف يفيد المغايرة، فطاعة المسلم لله شيء
و طاعته لرسوله شيء آخر مغاير معطوف عليه. كما ذكر ردا قويا للإمام الشافعي على
خصوم السنة لا يحتمل التلخيص يمكن مراجعته في الكتاب لمن أراد الاستفاضة في الأمر.
بين
السنة و القرآن
في
بداية هذه الفقرة يبين القرضاوي أهم الاختلافات بين السنة و القرآن كالتالي:
القرآن
|
السنة
|
القرآن قطعي الثبوت لأنه منقول بالتواتر اليقيني
|
قليلها ما ثبت بالتواتر و أكثرها ما ثبت عن طريق الآحاد
|
القرآن كله ثبت بطريق الوحي الجلي بواسطة
نزول جبريل عليه السلام على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم
|
من السنة ما ثبت عن طريق الإلهام و النفث في
الروع، و ما ثبت بالرؤيا الصادقة، و منها ما ثبت بالوحي الباطن أي أن يجتهد الرسول صلى الله عليه وسلم فيقره الله تعالى.
|
القرآن لفظه و معناه من الله تعالى
|
السنة القولية لفظها من الرسول صلى الله عليه وسلم
|
القرآن محفوظ بجملته و تفصيله، بألفاظه و معانيه
|
السنة محفوظة ضمنا باعتبارها تبيانا للقرآن و حفظ المبين يستلزم حفظ ما
يبنه
|
القرآن متميز بالإعجاز الخارق
|
السنة رغم البلاغة تبقى بشرية
|
العلاقة بين السنة و القرآن
1. السنة الصحيحة لا تعارض القرآن: و ما وجد منها فإما أن يكون صحيحا غير صريح يجب
تأويله بما يتفق مع القرآن لأن القرآن هو الأصل، أو صريحا غير صحيح و هذا لا
اعتبار له فمرجع السنة إلى القرآن. و هنا يذكر بعض شروحات المحقق ابن قيم الجوزية
في هذا الباب.
2. لا يخص عموم القرآن إلا بسنة ثابتة محكمة: لا يجوز أن يخص العموم
من القرآن إلا بسنة ثابتة أي صحيحة السند، سليمة المتن و محكمة أي أن تكون قطعية
الدلالة أو راجحة رجحانا غالبا.
3. لا ينسخ القرآن بالسنة: و هنا يصرح القرضاوي أنه يؤمن بأن النسخ
في الشريعة الإسلامية ثابت بيقين إلا أنه لا يميل إلى القول بنسخ القرآن بالسنة لأنه
لم يجد إلا أمثلة لم يقبلها.
واجب
المسلم عند الاحتجاج بالسنة
و ينهي
القرضاوي إلى علم القارئ أنه من واجب المسلم الذي يحتج بالسنة النبوية:
- أن يتأكد و يستوثق من صحة سند الحديث و ثبوته بشروط صحة الحديث التي قررها العلماء
- أن يتأكد من صحة دلالة الحديث على المعنى المطلوب
- أن يتأكد من عدم وجود معارض معتبر عقلي أو نقلي
وهذا
يتطلب التضلع في علوم السنة و سعة الاطلاع على مصادرها و الرجوع إلى أئمتها.
ويخصص
القرضاوي مزيدا من الصفحات للرد على نوعين من المتعاملين مع السنة بما لا يليق
بها: الذين يقبلون الأحاديث الواهية و الذين يردون الأحاديث الصحيحة لسبب من
الأسباب الواهية، و يرد عليهم بأقوال العلماء و حججهم و يفند ادعاءاتهم.
معالم و ضوابط في فهم الأصلين:
الكتاب و السنة
الواجب
على المسلم أن يعرف الحق و يتبعه ، ولمعرفة الحق يوضح القرضاوي أهم المعالم و الضوابط
التي يجب اتباعها حتى لا يضل طالب الحق و لا يحيد عن الصواب و هي بتلخيص:
التجرد
لطلب الحق
يؤكد
الدكتور القرضاوي على أنه يجب على كل باحث عن الحق التجرد لطلب الحق و ذلك عبر
الاتصاف بثلاث فضائل:
- الإخلاص و التحرر من الهوى
- الاستقلال و التحرر من العصبية
- التواضع
ربط النصوص بعضها ببعض
ويضيف القرضاوي أنه من الضوابط المهمة لحسن فهم الكتاب و السنة ربط النصوص ببعضها و النظر إلى احكام الإسلام وتعاليمه كلها نظرة شاملة مستوعبة، و ألا نتشبث بنص واحد مغفلين النظر إلى ما سواه مما يكمل معناه أو يخصص عمومه أو يقيد مطلقه أو يفصل مجمله أو يفسر إبهامه. و يعيب القرضاوي على الفرق المبتدعة تمسكها ببعض النصوص دون بعض كالخوارج و المعتزلة و الجبرية و يعطي بعض الأمثلة على أخطائهم الفادحة.
الإيمان
بكمال الشريعة و عدم تناقضها
يحذر القرضاوي من ضرب الكتاب بعضه ببعض فهذا ما حذر منه الرسول صلى الله عليه و سلم في حديث إسناده حسن رواه أحمد في مسنده حيث قال :"إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا". فلا يوجد تعارض حقيقي بين النصوص وهذا نابع من وجوب إيماننا بكمال الشريعة و عدم تناقضها مصداقا لقوله تعالى في سورة المائدة "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا". وما يظن أنه تعارض إنما هو إخفاق في الفهم أو أخذ الظاهر دون تمحيص و تحقيق.
و يبين
القرضاوي موقفه من التعارض بين الأحاديث كالتالي:
- لا تعارض بين ضعيف و صحيح : إذا تعارض حديث صحيح بحديث ضعيف يقدم الصحيح على الضعيف و لا يلزمنا تأويل الضعيف.
- تعارض الصحاح بعضها و بعض: إذا تعارض حديث صحيح مع جملة من الأحاديث الصحاح فالعبرة بالجملة لا بالواحد و ينبغي تأويل الواحد ليتفق مع سائر الحديث. وإذا لم يمكن ذلك لجأنا إلى الترجيح أي تغليب الكثرة على الواحد.
أما إذا تعارضت مجموعة من الأحاديث الصحيحة مع مجموعة أخرى صحيحة فلا بد من مرجح لأحد المجموعتين إما بالكثرة و إما بقوة الدلالة، فالأصرح يقدم على الأغمض. و إما أن تكون إحدى المجموعتين تتفق مع ما قرره القرآن الحكيم أو القواعد العامة أو المقاصد الكلية للشريعة خاصة و للإسلام عامة.
- كيف نستبين موقف الإسلام من خلال النصوص: ويضرب القرضاوي أمثلة كثيرة على الأخذ بنص واحد و ترك عشرات النصوص و أخذ الضعيف دون الصحيح و المتشابه دون المحكم من دعاوى المستشرقين و غيرهم، فلا بد من وجوب التثبت قبل الحكم بالتعارض. ففي القرآن هناك متشابهات و في السنة هناك ما يسمى مختلف الحديث فالتثبت هنا واجب و يعطي أمثلة على ذلك، كما يعطي أمثلة على التوفيق بين الظواهر.
رد
المتشابهات إلى المحكمات
يوصف القرآن بأنه محكم و الإحكام هو الإتقان وعدم النقص و الاختلاف، و يوصف أيضا أنه متشابه تتشابه آياته فتصدق بعضها بعضا في العدالة و الأخبار و الروعة و الحقائق فلا تناقض و لا تضارب.
كما يوصف على أن بعضه محكم و بعضه متشابه كما في سورة آل عمران. و في هذه الآية معنى المحكم هو البين بنفسه الدال على معناه بوضوح، أما معنى التشابه فهو ما أشكل تفسيره إما بمشابهته غيره من حيث اللفظ أو من حيث المعنى. فالمتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده أو ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره.
ومن
هنا كانت آيات القرآن على ثلاثة أنواع:
- آيات محكمات
- آيات متشابهات تشابها كليا حقيقيا فلا يعلمها إلا الله و لا يجب محاولة معرفة حقيقتها كوقت الساعة و خروج الدابة و غيرها و هذا ما دل عليه ما جاء في سورة آل عمران
- آيات متشابهة تشابها جزئيا و هذا ما يعمل العلماء على رده إلى المحكمات بمقتضى القواعد التي يعرفها أهل العلم.
و يرى
القرضاوي أن الحكمة من وجود المتشابه هو إبقاء العقول يقظة متحركة للبحث و الاجتهاد
فلو كانت كل النصوص محكمة لركنت العقول إلى الجمود و الكسل.
و في هذه الفقرة أيضا يعطي القرضاوي أمثلة لاستباحة المحرمات و الزيغ و الانحراف باتباع الشبهات كتحليل الربا الحرام أو الاستدلال على صحة اعتقاد النصارى بالقرآن و غيرهم كثير.
و هناك الكثير من النصوص في القرآن والسنة قد حذرت من اتباع المتشابهات. كما أن العلماء نهوا عن ترك الأصول الواضحة و الأدلة المحكمة و تتبع المتشابهات. و بالنسبة لهم كل دليل فيه اشتباه و إشكال ليس بدليل على الحقيقة. كما لا يجب أن يعارضه دليل قطعي، فالدليل يجب أن يكون ظاهرا في نفسه دالا على غيره و إلا احتاج هو إلى دليل فإن دل على عدم صحته فليس بدليل.
فهم
النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية
لا بد
لمن يريد حسن الفهم أن لا يكتفي بالحرفية و ظواهر النصوص بل عليه أن يتأمل ما وراء
أحكامها من علل و مصالح. و مهمة الراسخين في العلم أن يبحثوا عن مقاصد الشريعة من
خلال النصوص و يربطوا جزئياتها بكلياتها و يردوا فروعها إلى أصولها و يربطوا الأحكام
بعضها ببعض.
و يؤكد القرضاوي على ضرورة معرفة أسباب و ملابسات النصوص لحسن الفهم و يعطي أمثلة لسوء الفهم لإهمال أسباب النزول او ملابسات النص من القرآن و السنة.
ولقد اتفق العلماء أن الشريعة جاءت لتحقق مصلحة العباد، لذلك وجب النظر إلى النصوص من هذا الباب وفقا للمقاصد الكبرى. و يستشهد بكثير من مواقف الصحابة الذين كانوا ينهجون هذا المنهج كمعاذ بن جبل و عمر بن عبد العزيز و عمر بن الخطاب و غيرهم.
الاعتصام
بالنصوص القطعية
و يضيف القرضاوي أن حسن الفهم يتطلب الاعتصام بالنصوص القطعية من الكتاب و السنة، و القطعية تعني قطعية الثبوت و قطعية الدلالة.
قطعية الثبوت تتحقق في القرآن الكريم و المتواتر من الحديث و ما يلحق بالمتواتر من أحاديث الصحيحين التي احتف بها من القرائن و الدلائل ما يرفعها من مرتبة الظن الذي هو الأصل في أحاديث الآحاد إلى مرتبة القطع و اليقين.
فالأصل
في قطعي الثبوت أن يكون من القرآن و القليل من السنة لأن جمهرة السنة من الآحاد.
أما قطعية الدلالة، فتعني ألا يحتمل النص إلا تفسيرا واحدا ووجها واحدا بحكم وضعه اللغوي أو الشرعي أو بدلالة القرائن المختلفة التي تزيل أي احتمال لفهم آخر.
التمسك
بعصمة الأمة و إجماعها اليقيني
و يحث القرضاوي هنا على أهمية التمسك بالقضايا التي أجمعت عليها الأمة من قضايا عقلية و نفسية و سلوكية و اعتقادية كما يحث على الاهتداء بهدي الصحابة و تابعيهم بإحسان.
مزالق و محاذير في فهم الأصلين:
الكتاب و السنة
يحذر
القرضاوي من وجود مزالق و محاذير يجب التيقظ لها حتى لا نقع في سوء فهم الله و
رسوله، و من أهم هذه المحاذير:
وضع
النص في غير موضعه
و يرجع القرضاوي سبب الخلل إلى العجلة في استخراج الأحكام دون التثبت و التمحيص كما يمكن أن يكون خلل في الضمير وفساد النية. كما أنه أحيانا يمكن أن يستشهد بكلمة حق و يراد بها باطل و يعطي مثالا على ذلك ما حصل مع الخوارج الذين رفضوا مبدأ التحكيم بين علي رضي الله عنه و من معه و معاوية و من معه و تمسكهم بقوله تعالى "إن الحكم إلا لله" و يفند ادعاءهم بأدلة من الكتاب و بهدي الصحابة.
كما يحدث أحيانا أن يحرف الكلم عن مواضعه كمن استدل على منع التعدد الذي أباحه القرآن بشرط العدل بآية من السورة نفسها التي حسب حكمهم تنسخ الآية و تبطلها و هذا اتهام ضمني للرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة بعدم فهم كتاب الله. و يستعرض أمثلة كثيرة في سوء الفهم أو التسرع في الحكم كتحريم الغناء و سوء تفسير كلمة سائحين و الأحزاب و بعض التفاسير العلمية المغلوطة لآيات الإعجاز العلمي، كما يعطي أمثلة من السنة كالذين أباحوا الانقطاع و الخلوات لأن الرسول كان يفعل ذلك في رمضان، أو الذين منعوا حضانة الأب للابن مع ثبوت عدم أهلية الأم بحديث من السنة و يفند ذلك، أو الذين حرموا التحالف في الإسلام لفهمه الخطأ للحديث الصحيح "لا حلف في الإسلام".
سوء
التأويل للنصوص
من المقرر عند أهل العلم أن الأصل هو إبقاء النصوص على ظواهرها، و لكن تأويل النصوص أي صرفها من معناها الحقيقي إلى معناها المجازي لا يخالف فيه عالم له دراية بالقرآن. إن التأويل له شروطه، فلا تأويل إلا بدليل و يعطي أمثلة على ذلك من القرآن كقوله تعالى "إني أراني أعصر خمرا" سورة يوسف، فالخمر لا تعصر و لكن تؤول بالعنب يصير خمرا، و أمثلة أخرى كثيرة تستوجب التأويل من الكتاب و السنة.
و يبين
القرضاوي كيف اهتم العلماء بضوابط التأويل حتى لا يساء فهم كلام الله و رسوله،
والتأويل الذي يناقشه القرضاوي ليس بمعنى التفسير ولكن بمعناه الاصطلاحي أي: صرف
اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح يحتمله لدليل يصيره راجحا.
و هنا
يقارن القرضاوي بين تيارين متطرفين في التأويل و هما الظاهرية الذين لا يقبلون بأي
تأويل إلا إذا دل على كتاب أو سنة أو إجماع و هم حسب القرضاوي يمثلون الجمود و
تيارات و طوائف غاية في الإفراط، و الذين يؤولون بغير دليل يجعل التأويل راجحا
كالباطنية الذين يؤولون الظاهر و يعتبرون أن لكل نص ظاهر و باطن و هذا انحراف لا
دليل عليه.
و في
هذه الفقرة يعطي أمثلة كثيرة للانحرافات في التأويل عند عدة تيارات و طوائف من
شيعة و صوفية ومعتزلة و بهائية و فلاسفة و عقلانيين وغيرهم لا يسعنا تلخيصها
لكثرتها. كما يعطي أمثلة على علماء اعتمدوا على التأويل في بعض الأحيان رغم تمسكهم
بظواهر النصوص كابن حزم و المدرسة الحنبلية.
تقديم
العقل على الشرع
ويرى القرضاوي أن من أخطر أسباب الانحراف تقديس العقل البشري و اعتباره دليلا لا يخطئ و تقديمه على الوحي و هذا من أهم أسباب انحراف المبتدعين قديما و حديثا.
ويؤكد الكاتب على أن العقل نعمة كبيرة و لكن يصر على أن الوحي أعظم منه، فالفرق بين العقل و الوحي كالفرق بين البشرية و الألوهية، فرق بين العجز الذاتي و القدرة المطلقة. و يعطي أمثلة على الأخطاء التي وقع فيها العقلانيون فكيف الوثوق إذن بهم.
كما تحدث عن الصراع بين الفلسفات و تناقضها من مادية وروحية وفردية و جماعية و تشككية و عنادية. فكل هذه الفلسفات تعارض بعضها بعضا و لا يكاد فيلسوف يصل إلى فكرة ما حتي يسارع آخر إلى تفنيدها، فالعقل البشري محدود و يتأثر بالبيئة و العصر، و يعطي مثالا صارخا و هو تأثير البيئة على أرسطو، فرغم أنه من أقوى الفلاسفة و من وضع المنطق الصوري القياسي فإنه لم يكن يؤمن بالمساواة بين الناس و بين الرجل و المرأة، و حتى أنه كان يؤمن بالتفاوت بين الجنسيات و غيرها من أمور غير معقولة إطلاقا.
كما يشير أن حصاد الفلسفة عبر التاريخ الإنساني الطويل هزيل جدا يدل على مدى جهل الإنسان و عجزه. لهذا كان الشرع الإلهي الملاذ الآمن للعقول و أرض السلام للنفوس. فالإنسان بحاجة ماسة إلى ينبوع خالص معصوم و ذي قدرة مطلقة ليستعين به على عجزه و قلة حيلته.
و يبين القرضاوي مكانة العقل في الإسلام، فعلماء الأصول يؤمنون أن العقل أساس النقل فلولا العقل لما ثبت الوحي أصلا فالإنسان عرف الوحي لأن له عقلا عرف به وجود الله و صحة النبوءة. فالثقة بالعقل واجبة إذن. غير أن استعمال العقل يجب أن يكون في محله فبعد الإيمان بالله ربا و بمحمد رسولا و بالقرآن و السنة، تصبح مهمة العقل تأكيد نسبة السنة للرسول و مدى صحتها أو ضعفها أو كذبها و الجمع بين الأدلة و شرحها و تأويلها و فهم النصوص الصريحة و التأمل و البحث في الآفاق لخدمة البشرية.
معارضة
النصوص بدعوى المصلحة
يرى القرضاوي أنه يستحيل أن يتعارض نص قطعي مع مصلحة حقيقية، فالله عز وجل أعلم بمصالح عباده و العقيدة الصحيحة مبنية على التسليم بأن أوامر الله ونواهيه جاءت من أجل الإنسان و سعادته في الدنيا و الآخرة. لكن المشكل الذي يمكن أن يحصل في هذا الباب هو توهم المصلحة في حين أنها ليست مصلحة حقا. كما أنه قد يتعارض نص محتمل التأويل وليس قطعي مع مصلحة حقيقية معتبرة. و الكثير من الدعاوى في هذا الباب مردودة لتوهمها المصلحة في غير محلها.
Rachida KHTIRA
Software Engineer at the Moroccan Ministry of Finance.
Interests: Reading, travel and social activities.
|