قرأت مؤخرا ديوان الشافعي و راقني شعره كثيرا سواء من
حيث الأسلوب أو المضمون، فالأسلوب يتميز بسلاسته و لغته البسيطة التي يتسنى لكل
شخص فهمها، و أما من ناحية المضمون، فشعره في الأغلب عبارة عن نصائح و عبر يتناول
مواضيع متعددة كالقيم و الأخلاق و تزكية النفس و أهمية العلم. و لذلك اخترت بعض
الأبيات من هذا الديوان لمشاركتها معكم.
طلب العلم
***************
***************
شَكَوتُ إلَى وكيع سوء حفظي
|
فأرْشدني إلَى تَرك المعاصي
|
|
وأخبَرنِي بأَنَّ العلْمَ نُور
|
ونورُ الله لا يهدى لعاصي
|
***************
العِلمُ صَيد والكِـــــــتابة قَيده
|
قَيِّدْ صيودكَ بالحـــبال الواثقَة
|
|
فمن الحماقة أَن تصيدَ غزالَة
|
تَترُكها ما بين الخلائق طالقةَ
|
***************
بقدرِ الكدِّ تُكتسب المعالي
|
ومن طلب العلا سهر الليالي
|
|
ومن رام العلا من غير كد
|
أضاع العمر في طلب المحال
|
|
تروم العز ثم تنام ليلاً
|
يغوص البحرَ من طلب اللآلي
|
***************
لا يدرك الحكمة من عمره
|
يكدح في مصلحة الأهـل
|
|
ولا ينال العلـم إلا فتـى
|
خال من الأفكار والشغـل
|
|
لو أن لقمان الحكيم الـذي
|
سارت به الركبان بالفضل
|
|
بلى بفقـرٍ وعيـالٍ لمـا
|
فرق بين التبـن والبقـل
|
خشية الحساب
الدعاء و المناجاة
أنت المعد لكـل ما يتوقـع
|
يا
من يرى ما في الضمير ويسمع
|
|
يا من إليه المشتكى والمفـزع
|
يا من يرجّى للشــدائد كلها
|
|
امنن فإن الخير عندك أجمع
|
يا من خزائن فضـله في قول كن
|
|
فبالافتــقار إليك فقري أدفع
|
مالي سوى فقـري إليك وسيلة
|
|
فـإذا رددت فـأي باب أقــرع
|
مالي سوى قرعي لبابك حــيلة
|
|
إن كان جودك عن فقيرك يمنع
|
ومن الذي أرجو وأهتف باسمه
|
|
الجود أجـزل والمواهب أوســع
|
حاشـا لفضلك أن تقنـط راجيا
|
فوائد السفر
مِن راحة فَدعِ الأَوطانَ واغتَربِ
|
ما في المقامِ لذي عقلٍ وذي أدبِ
|
|
وانصبْ فإنَّ لَذيذ الْعيش في
النَّصَبِ
|
سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقهُ
|
|
إِن ساح طاب وإن لم يجر لم يطبِ
|
إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ
|
|
والسَّهم لولا فراقُ القوسِ لم يصب
|
والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترست
|
|
لَملَّها النَّاس من عجمٍ ومن عربِ
|
والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمة ً
|
|
والعودُ في أرضه نوع من الحطب
|
والتبر كالتُّرب ملقَى ً في أَماكنه
|
|
وإن تغرَّب ذاك عزَّ كالذَّهبِ
|
فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبهُ
|
***************
وسافرْ ففي الأَسفَار خمسُ فوائد
|
تغرَّبْ عَن الأَوطَان في طَلَبِ الْعلُى
|
|
وعلم، و
آداب، وصحبة ُ ماجد
|
تَفَرُّج همٍّ، و اكتساب معيشة ٍ
|
الزمن
وما لزماننا عيبٌ سوانا
|
نعيب زماننا والعيب فينا
|
|
ولو نطق الزمان لنا هجانا
|
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ
|
|
ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا
|
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ
|
التفاؤل
ذرعا وعند الله منها المخرج
|
ولرب نازلة يضيق لها الفتى
|
|
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
|
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
|
التوكل على الله
وأيقنتُ أنَّ اللهَ لا شكٌ رازقي
|
تَوكلتُ في رزقي عَلَى اللَّهِ خالقي
|
|
ولَو كَان في قاع البحار الغوامق
|
وما يك من رزقي فليس يفوتني
|
|
ولو لم يكن مني اللسانُ بناطقِ
|
سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بفضلهِ
|
|
وقد قسم الرَّحمنُ رزق الخلائق
|
ففي أي شيءٍ تذهبُ النفسُ حسرة ً
|
الرضى
نعم، وتهون الأمور الصِّعابُ
|
سيُفتَح بابٌ إِذا سُدَّ بابُ
|
|
تضيق المذاهب فيها الرِّحابُ
|
ويتَّسع الحال من بعد ما
|
|
فلا الهمُّ يجدي، ولا الاكتئابُ
|
مع الهمِّ يُسران هوِّن علَيك
|
|
فلَم يُرَ من ذاك قدرٌ يُهَابُ
|
فكَم ضِقت ذرعاً بِما هِبته
|
|
ولا أَرَّق العين منه الطِّلابُ
|
ورزْق أَتاك ولَم تَأته
|
|
فما دُون سائلِ ربِّي حِجابُ
|
إِذا احتجب النَّاس عن سائلٍ
|
|
وراجيه فِي كلِّ حين يُجابُ
|
يعود بفضلٍ علَى من رجاهُ
|
قبول العذر
إنْ يرَ عندكَ فيما قال أو فجرا
|
اقبل معاذيرَ من يأتيكَ معتذراً
|
|
وقد أجلَّكَ من يعصيكَ مستترا
|
لقد أطاعكَ منْ يرضيك ظاهره
|
***************
ومقام الفتى على الذل عار
|
قيل لي قـد أسـا إليك فلان
|
|
دية الذنب عندنـا الاعتذار
|
قلت قد جاءني وأحدث عذرا
|
العفو
من
التقصير عذر أخ مقر
|
إذا
اعتذر الصديق إليك يوما
|
|
فإن
الصفح شيمة كل حر
|
فصنه
عن عتابك واعف عنه
|
الثقة بالنفس
والْعَيشُ عَيشانِ ذا صفو وذا كَدَرُ
|
الدَّهر يَوْمانِ ذا أَمن وذا خطَرُ
|
|
وتَستَقر بأقصى قاعِه الدُّرَرُ
|
أَما تَرى الْبحرَ تَعلُو فوقهُ جيَف
|
|
ولَيس يكسف إلا الشَّمسُ وَالْقَمرُ
|
وفي السَّماءِ نُجوم لا عداد لَها
|
الإعراض عن الجاهل
فخير من إجابته السكوت
|
إذا نطق السفيه فلا تجبه
|
|
وإن خليته كـمدا يمـوت
|
فإن كلمته فـرّجت عنـه
|
***************
وأنظمُ منثوراً لراعية الغنمْ؟
|
أأنثرُ دراً بين سارحة البهم
|
|
فلَستُ مضَيعاً فيهمُ غرر الكلَمِ
|
لعمري لئن ضيعتُ في شرِّ بلدة ٍ
|
|
وصادفتُ أهلاً للعلوم وللحكم
|
لَئن سهَّل اللَّه العزيز بِلطفه
|
|
وإلاّ فمكنونٌ لديَ ومكتتمْ
|
بثثتُ مفيداً واستفدتُ ودادهمْ
|
|
ومن منع المستوجِبين فقد ظلم
|
ومن منح الجهّال علماً أضاعهُ
|
***************
فلا أنت
محمود و لا الرأي نافعه
|
و لا تظهرن
الرأي من لا يريده
|
فضل الصمت
إذَا لَمْ أجِدْ رِبحاً فَلَسْتُ
بِخَاسِرِ
|
وجدتُ سكوتي متجراً فلزمتهُ
|
|
وتاجرهُ يعلو على كل تاجرِ
|
وَمَا الصَّمْتُ إلاَّ في الرِّجَالِ
مَتَاجرٌ
|
عدم الاكتراث لكلام الناس
و لو أنَّه ذاك
النَبِيُّ المطَهَّر
|
وما أحدٌ من ألسُن الناس سالما
|
|
وإِن كان مفضالاً يقولونَ مُبذِر
|
فَإِن كان مقداماً يَقولون أَهوج
|
|
وإِن كان منطيقاً يقولونَ مِهذَرُ
|
وإِن كان سكّيتاً يقولون أَبكم
|
|
يقولون زرّافٌ يرائي ويمكرُ
|
وإِن كان صوّاماً وبِالليلِ قائماً
|
|
ولا تَخش غير الله فَاللَه أكبرُ
|
فَلا تحتفل بِالناس في الذمِّ والثَنا
|
أدب النصح
وجنبني
النصيحة في الجماعة
|
تغــمدني
بنصحك في انفرادي
|
|
من التوبيخ
لا أرضى استماعه
|
فإن النصح
بين الناس نوع
|
|
فلا تجزع إذا
لم تعط طاعـــــة
|
وإن خالفتني
وعصيت قولي
|
أدب المناظرة
بما اختلف الأوائلُ والأواخر
|
إذا ما كنت ذا فضلٍ وعلمٍ
|
|
حليماً لا تلحُ ولا تكابر
|
فناظر من تناظر في سكونٍ
|
|
من النُّكَت اللَّطيفةِ والنَّوادر
|
يفيدك ما استفاد بلا امتنانٍ
|
|
بأني قد غلبتُ، ومن يفاخر
|
وإياك اللَّجوج ومن يرائي
|
|
يمنِّي بالتقاطع والتدابر
|
فإنَّ الشرَّ في جنبات هذا
|
كتمان السر
ولام عليه غيرهُ فهو أَحمق
|
إذا المرءُ أفشى سرَّهُ بلسانهِ
|
|
فصدرُ الذي يستودعُ السرَّ أضيق
|
إذا ضاق المرءِ عن سرِّ نفسهِ
|
الاعتماد
على النفس
فتول أنت جميع أمـرك
|
ما حك جلدك مثل ظفرك
|
|
فاقصد لمعترفٍ بقدرك
|
وإذا قصـدت لـحاجـةٍ
|
ترك الغيبة
و دينُكَ موفورٌ وعرضكَ صَيِنُّ
|
إذا رُمتَ أن تَحيا سليماً من الأذى
|
|
فكلكَ عَوراتٌ وللنّاس ألسُنُ
|
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ
|
|
فدَعها وقُل يا عَينُ للنّاسِ أعينُ
|
وعيناك إن أبدت إليك مَعايِباً
|
|
ودافع ولكن بالتي هِي أحسنُ
|
وعاشر بِمعروفٍ وسامح من اعتدى
|
أهمية المظهر
زين الرجال بها تعز وتكرم
|
حسن ثيابك ما استطعت فإنها
|
|
فالله يعلم ما تسر وَتكتم
|
ودع التواضع في اللباس تخشنا
|
|
عند الإله وأنت عبد مجرم
|
فَرثاث ثوبك لا يزيدك رفعة
|
|
تخشى الإله وتتقي ما يحرم
|
وجديد ثوبك لا يضرك بعدما
|
احترام العلماء
إمامُ المسلمين أبُو حنيفة
|
لقد زان البلادَ ومن عليها
|
|
كآيات الزَّبُور علَى الصَّحيفة
|
بأحكام وآثار وفقه
|
|
ولا بالمغربين ولا بكوفه
|
فما بالمشرقين له نظيرٌ
|
|
مدى الأيَّام ما قُرئت صحيفة
|
فرَحمة ربِّنا أبداً عليه
|
***************
قلت
: الفضائل لا تفارق منزله
|
قالوا
: يزورك أحمد وتزوره
|
|
فلفضله
، فالفضل في الحالين له
|
إن
زارني فبفضله أو زرته
|
ٱمال