انتهيت من قراءة كتاب آخر للدكتور أحمد خيري العمري بعنوان "سلسلة كيمياء الصلاة"، كتاب لا يسعني إلا أن أقول عنه أنه رائعة من روائع هذا الكاتب الذي يفاجئني في كل مرة، أردت إذن أن أشارككم بعض مقتطفات من الكتاب حتى أشجعكم على قراءته فهو حقا جدير بالقراءة.
يتكون الكتاب من خمسة أجزاء، لذا اخترت أن آخذ مقطعا من كل جزء .
الجزء الأول : المهمة غير المستحيلة
عندما تعيش طوال عمرك تحت سقف واطئ لدرجة أنك تضطر لحني ظهرك حتى تسير فإن هذا السقف الواطئ سيصير مع الوقت هو حدود طولك، سيتكيف ظهرك مع هذا السقف، سيحدودب، ستنحني (كلك).. وستصير، مع الوقت، على مقاس ذلك السقف الواطئ.. حتى لو أزيح السقف، حتى لو تفجر، وصارت السماء هي الحدود المفترضة.. فإنك ستظل محني الظهر، على مقاس ذلك السقف الواطئ.. لقد تشكلت على أساسه، تقولبت بحدوده.. ولكن يكون من السهل أن تتطاول لتتجاوزه..هذا ما فعلناه بالضبط، عندما اخترنا ذلك الأعرابي المجهول لنجعله حدود قامتنا.. لنجعل اختزاله ومفاوضاته هي كل ما نساوم من أجله.. لقد اخترنا سقف خيمة واطئ جداً، لتكون حدوداً لرؤيتنا عن الصلاة..
الجزء الثاني : ملكوت الواقع
النية هي ذلك الركن الذي لن تراه بالعين المجردة ، ولن تؤديه بصوت عال ، ولن تشمر عن ساعديك في أثناء القيام به ، لكنه كفيل بأن يحبط عملك كله لو كان فيه خلل !…كبسة زر الكهرباء لا تستغرق إلا ثواني ، كذلك النية .. إنها مثل كبسة الزر ، لا يكاد يأخذ وقتاً على الإطلاق و مع ذلك فإنه يمكن أن يكون الفرق الحاد بين ظلمة دامسة و نور تام !
الجزء الثالث : عالم جديد ممكن
لهذا كله، إنها “الفاتحة”..فاتحة الكتاب، لأن كل الكتاب سنفهمه بشكل مختلف أكثر فاعلية، لو فهمناه من خلالها.فاتحة العينين، لأنها ستمنحك الرؤية لما يجب أن تراه، رؤية تنأى عن التفاصيل لصالح المشهد كله، فإذا بك إنسان آخر، وإذا بالعالم عالم آخر، وإذا بالعالم الذي عليك بناؤه عالم جديد وممكن..وهي فاتحة للحياة، وليس للموت، علينا أن نكتبها في أثناء رحلة حياتنا، أن نمارسها في أثناء ذلك لا أن تختم حياتنا بها، ويقرأها الآخرون علينا.. وتكتب على شواهد قبورنا..إنها فاتحة للحياة: تمنح الحياة للقلب –الجوهر، وتتفتح الروح بها، تستمد منها القوة والعزم، ويسير فيها وعبرها النسغ الصاعد، اللازم للبناء..بناء ذلك العالم….عالم جديد ممكن..
الجزء الرابع : فيزياء المعاني
السجود يجعلنا في تماس مع الأرض، موضع استخلافنا، كما لو أنه يذكرنا بكل ما يمكن لإبداعات رؤوسنا أن تفعله في هذه الأرض….
السجود يجعلنا في وضع أقرب إلى وضع الجنين، قريبين من رحم الأرض، كما لو أننا سنخلق من جديد، بهذه الصورة كما لو أن السجود سيعيد تشكيلنا من جديد… بلى إنه يفعل، لو تركناه يفعل... السجود يجعلنا أقرب إلى كل ذاك، وسجود بعد آخر، يجعلنا أقرب إلى ذلك الجيل…. جيل الذي (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) سورة الفتح الآية 29.جيل الفعالية والنشاط والحضارة..خطة الاقتراب سهلة وبسيطة كما تلاحظون…ويمكن تلخيصها بكلمة واحدة :الاقتراب، سجوداً…
الجزء الخامس : سدرة المنتهى
مهمة الرسول تركز على "الفكرة" أكثر، تركز على "النظرية"، على فكرة أن الدمار قادم، وعلى فكرة أن الحل يجب أن يبدأ من الأساس، مهمة النبي لا تنسخ ذلك طبعاً، ولكن تكملها، تتممها.. تحول الأمر إلى الحفر في الأساس ووضع حجر الأساس..ورفع القواعد..وبعبارة أخرى، مهمة النبي، تحتوي مهمة الرسول ضمنها، لأنها ستظل تحتوي على الرسالة، وعلى فكرة الرسالة.. لكنها تتجاوزها إلى أفق أبعد، إلى الواقع العملي الذي لا غنى عنه لأي نظرية، مهما كانت متقنة، ولا أي عقيدة، مهما كانت سليمة..
وبعبارة أخرى، أشد وضوحاً، مهمة النبي، عملياً، تكمل وتتمم مهمة الرسول، على العكس من مهمة الرسول، التي ستظل بحاجة إلى مهمة النبي لإتمامها..وبناء على ما سبق، وكنتيجة طبيعية: كان عليه الصلاة والسلام "خاتم النبيين ".. ذلك أن خاتم الأنبياء، هو حتماً، وضمناً، وبالتعريف المشار إليه، هو خاتم الرسل.. باعتبار أن مفهوم "النبي" يتمم مفهوم الرسول و يختمه. ...
ولذلك، قال الذكر الحكيم عنه – عليه الصلاة والسلام: {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 33/40].. و لم يقل خاتم الرسل.
أتمنى أن تكون المقتطفات قد أثارت فضولكم و قررتم قراءة الكتاب، هذا إذا لم تكونوا قد قرأتموه سلفا. و كالعادة، سأحاول أن أكتب تحليلا له في أقرب وقت ممكن حتى نناقشه سويا.
آمال.